الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{منضود} أي منظوم بالحمل من أعلاه إلى أسفله متراكم يتراكب بعضه على بعض على ترتيب هو في غاية الإعجاب، قال في القاموس: الطلح: شجر عظيم، والطلع: والموز، والطلع من النخل: شيء يخرج كأنه نعلان مطبقان والحمل بينهما منضود، والطرف محدد، أو ما يبدو من ثمرته أول ظهورها.ولما ذكر ما لا يكون إلا في البلاد الحارة قال: {وظل ممدود} أي مستوعب للزمان والمكان فهو دائم الاستمداد كما بين الإسفار وطلوع الشمس لا فناء له ولا نهاية.ولما كان ما ذكر من الري لا يستلزم الجري قال: {وماء مسكوب} أي جار في منازلهم من غير أخدود ولا يحتاجون فيه إلى جلب من الأماكن البعيدة، ولا الإدلاء في بئر كما لأهل البوادي.ولما ذكر ما تقدم، عم بقوله: {وفاكهة كثيرة} أي أجناسها وأنواعها وأشخاصها.ولما كانت لا تكون عندنا إلا في أوقات يسيرة، بين أن أمر الجنة على غير ذلك فقال: {لا مقطوعة} ولما كانت في الدنيا قد يعز التوصل إليها مع وجودها لشيء من الأشياء أقله صعود الشجرة أو التحجز بجدار أو غيره قال: {ولا ممنوعة} ولما كان التفكه لا يكمل الالتذاذ به إلا مع الراحة قال: {وفرش مرفوعة} أي هي رفيعة القدر وعالية بالفعل لكثرة الحشو ولتراكم بعضها على بعض ولأنها على السرر، وروى البغوي من طريق النسائي عن أبي سعيد وأبي هريرة ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ارتفاعها كما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام».ولما كانت النساء يسمين فرشًا، قال تعالى معيدًا للضمير على غير ما يتبادر إليه الذهن من الظاهر على طريق الاستخدام مؤكدًا لأجل إنكار من ينكر البعث: {إنا} أي بما لنا من القدرة والعظمة التي لا يتعاظمها شيء {أنشأناهن} أي الفرش التي معناها النساء من أهل الدنيا بعد الموت ولو عن الهرم والعجز بالبعث، وزاد في التأكيد فقال: {إنشاء} أي من غير ولادة، بل جمعناهن من التراب كما فعلنا في سائر المكلفين ليكونوا كأبيهم آدم عليه الصلاة والسلام في خلقه من تراب، فتكون الإعادة كالبداءة، ولذلك يكون الكل عند دخول الجنة على شكله عليه الصلاة والسلام، ويجوز أن يكون المراد بهن الحور العين فيكون إنشاء مبتدعًا لم يسبق له وجود.ولما كان للنفس أتم التفات إلى الاختصاص، وكان الأصل في الأنثى المنشأة أن تكون بكرًا، نبه على أن المراد بكارة لا تزول إلا حال الوطىء ثم تعود، فكلما عاد إليها وجدها بكرًا، فقال: {فجعلناهن} أي الفرش الثيبات وغيرهن بعظمتنا المحيطة بكل شيء {أبكارًا} أي بكارة دائمة لأنه لا تغيير في الجنة ولا نقص.ولما كان مما جرت به العادة أن البكر تتضرر من الزوج لما يلحقها من الوجع بإزالة البكارة، دل على أنه لا نكد هناك أصلًا بوجع ولا غيره بقوله: {عربًا} جمع عروب، وهي الغنجة المتحببة إلى زوجها، قال الرازي في اللوامع: الفطنة بمراد الزوج كفطنة العرب.ولما كان الاتفاق في السن أدعى إلى المحبة ومزيد الألفة قال: {أترابًا} أي على سن واحدة وقد واحد، بنات ثلاث وثلاثين سنة وكذا أزواجهن.قال الرازي في اللوامع: أخذ من لعب الصبيان بالتراب- انتهى.وروى البغوي من طريق عبد بن حميد عن الحسن: «قال أتت عجوز النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال: يا أم فلان! إن الجنة لا تدخلها عجوز، فولت تبكي، قال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: {إنا أنشأناهن} الآية» رواه الترمذي عنه في الشمائل هكذا مرسلًا، ورواه البيهقي في كتاب البعث عن عائشة رضي الله عنها والطبراني في الأوسط من وجه عنها، ومن وجه آخر عن أنس رضي الله عنه، قال شيخنا حافظ عصره ابن حجر: وكل طرقه ضعيفة، وروى البغوي أيضًا من طريق الثعلبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال: «عجائزكن في الدنيا عمشًا رمصًا فجعلهن أبكارًا».ولما كان هذا الوصف البديع مقتضيًا لما يزدهي عنه النفس لأن يقال: لمن هؤلاء؟ وإن كان قد علم قبل ذلك، نبه عليه بقوله تعالى: {لأصحاب اليمين} ويجوز أن يتعلق بـ: {أترابًا} نصًا على أنهن في أسنان أزواجهن.ولما أنهى وصف ما فيه أهل هذا الصنف على أنهى ما يكون لأهل البادية بعد أن وصف ما للسابقين بأعلى ما يمكن أن يكون لأهل الحاضرة، وكان قد قدم المقايسة في السابقين بين الأولين والآخرين، فعل هنا كذلك فقال: {ثلة من الأولين} أي من أصحاب اليمين {وثلة} أي منهم {من الآخرين} فلم يبين فيهم قلة ولا كثرة، والظاهر أن الآخرين أكثر، فإن وصف الأولين بالكثرة لا ينافي كون غيرهم أكثر ليتفق مع قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إن هذه الأمة ثلثا أهل الجنة، فإنهم عشرون ومائة صف، هذه الأمة منهم ثمانون صفًا». اهـ.
|